" ليس هناك أكثر من خمسةِ ألوان أساسية ، ولكنّ مزجها يعطينا ألواناً أكثر مما يمكن رؤيتها"
بهذه الكلمات المعبرة يرى القائد العسكري والفيلسوف الصيني الكبير" صن تزو" الرؤية الفنية بإيجاز رائع للغاية من خلال المزج اللوني البسيط ، والذي يستطيع أن ُيُظهرَ لنا مساحاتٍ واسعةً من الرؤى الإبداعية ، وحين تختلطُ لدينا ألوان التمثيل والغناء والتأليف والإستعراض والتقديم فإنها تنتجُ لوحةً فنيةً مُزركشةً بأطياف ِالإبداع اسمها " أمل عرفة"
مجلة فن - كتبت ندى حبيب :
من بيتٍ فني عريق انطلقت النجمة" أمل" متشربةً ألحان الجمال الخالد من الموسيقار الكبير الراحل
"سهيل عرفة" الذي أضحى أيقونة سورية خالصة ، وقدم لها في أولى تجاربها الغنائية جوهرة الأغاني الوطنية
" صباح الخير ياوطناً" والتي أدتها آنذاك مع المطرب " فهد يكن" بأداء شبابي حمل عنفواناً رائعاً وصوتاً عذباً..
تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية لتجمع بين ثنائية الموهبة المتفردة والتعلم الأكاديمي وتنطلق في مسيرتها الفنية الوضّاءة ، كان ظهورها التمثيلي الأول من خلال المشاركة في عملَي " نجمة الصبح " و " شبكة العنكبوت" للمخرج الكبير هيثم حقي.
استطاعت النجمة " أمل عرفة" أن تحفر طويلاً في ذاكرةِ المشاهد السوري والعربي من خلال دورها في المسلسل الكوميدي" عيلة خمس نجوم" بدور " سمر" والتي جسدت فيه النكهة الكوميدية للفتاة السورية من خلال الأداء العفوي البعيد عن التكلف والبهرجة الشكلية..
وعلى الرغم من نجاحها اللافت في تقمص الأدوار الكوميدية إلا ان تنوع أدوارها جعل لها بصمة خاصة في عالم الأداء التمثيلي وأثبتت حسن تقمص رصانة الشخصية المقدمة كما في دورها " العنقاء" بمسلسل " الجوارح".
جمعت الرائعة "أمل عرفة" بين الاداء الحسي للشخصية المركبة وأدواتها الحركية والصوتية والفنية والغنائية والعمل على كل تفاصيلها من خلال دور "فضة" في مسلسل خان الحرير وقدمت مقدرتها على المزج الفني بين الصورة القوية للأنثى وبين عالمها المجبول بالحنان والعشق..
لم تكتفِ" أمل عرفة" بإحترافها التمثيلي بل ذهبت أبعد من ذلك من خلال كتابتها العديد من المسلسلات التلفزيونية والتي استطاعت من خلالها الغوص في المشكلات الإجتماعية الواقعية وتقديمها بصورة لطيفة وعبقرية للغاية من خلال عدة أعمال أغنت المكتبة الدرامية بها وأصبحت مادةً فنيةً تحتل الصدارة دوماً على الرغم من مرور سنوات طويلة على عرضها ولعل أبرزها ماقدمته في مسلسلات " دنيا " و " عشتار " و " رفة عين".
ابتعدت المتألقة " أمل عرفة" عن النمطية في الاداء الفني واستطاعت اقتحام أدوار البيئة الشامية من خلال شخصية" لطفية" في مسلسل
"الخوالي" والتي أظهرت فيها الجانب المشرق من الثبات والإنتماء الوطني والحب الدفين المقيد بالعادات والتقاليد و التي تجعل من الأسس التعبيرية منقوصةً أمام حياء الأنثى..
لقد تفوقت" أمل عرفة" على نفسها أولاً وعلى الأداء البصري ثانياً لتغوص في مجاهل الشخصية النفسية وتستطيع ترجمةَ وجع الروح قبل الجسد والضياع التعبيري في حالته المرضية العضوية من خلال حركات إيمائية وحسية أبكت ملايين المشاهدين وجعلت التعاطف مع المظلوم في أعلى درجاته العاطفية من خلال دورها " غادة" في مسلسل " غزلان في غابة الذئاب"
في مسلسل " كسر الخواطر" أدهشت
" أمل عرفة" الجميع باشتغالها على بعض التفاصيل البسيطة التي أضافتها لشخصية "رمزية" والتي تمكنت من خلالها بطرح جرعة كاملة من التناقض لدى المتلقي بين حب بساطتها وكره تصرفاتها وبين الثناء على جرأتها والتعاطف معها في ضعفها.
في متابعتنا الطويلة لأخبار الهجرة السورية المؤلمة نتيجة ظروف الحرب الظالمة كنا نمر سريعاً على نبأ غرق عبّارة تحمل مهاجرين مشبعين بأحلاهم ولم نكن لنتصور تفاصيل هذا النبأ بقباحته وقساوته ، وحدها "امل عرفة" ومن خلال " ثلاثية موطني" نقلت ذلك التصور الخيالي في عقولنا إلى أرض الواقع الملموس وأشعرتنا بقهر فقدانِ الولد في بحار الغدر الشاسعة وأرتنا كيف تتجمد الروح في بلاد لم ولن نشعر بدفئها يوماً.
لم تستطع الحرب الطويلة أن ترحل دون ان تترك ندوباً لدى الكثير منا ظهرت في أشكال مختلفة ولعل فوبيا " فداء" من القذائف الممطرة في مسلسل
" ضبوا الشناتي" أظهرت كيف يصبح التعايش مع واقع مؤلم أمراً طبيعياً وسط أحلام بلقاء طبيب شهيد أو مغامرة بسفر أخير لارجعة منه..
لايمكن لأي كاتب باحث في التاريخ العريق ل" أمل عرفة" أن يحيط بكامل جوانبها الفنية لأنها عملت فأبدعت في كل شيء حتى في الأسلوب الراقي للتقديم التلفزيوني البعيد عن الأسئلة السخيفة والحوارات الفارغة والذي استطاع أن يخرج من الضيوف تعابيرهم الصادقة عن حالات الفرح والحزن واليأس والأمل من خلال حوار جاد بعيد عن المجاملات المعلبة كما لم يستطع هذا المقال البسيط أن يحيط بالعشرات من جوائز التكريم المحلية والعربية للمبدعة "امل عرفة" على كافة مجالات عملها سواء الغنائية او التمثيلية أو الكتابة بل أرى فيه تكريماً شخصياً.. إذ أُتيحت لي الفرصة بالكتابة عن جوهرة سورية ستبقى متلألئة في سماء الفن العربي...
مجلة فن . رئيس التحرير محمد رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق