قصة قصيرة بعنوان | منهج سيلينا | كتبها : علي محمد :
- عالشّام؟ . ( صرخ ذو البطنِ الكبير من خلفِ مقود الباص، وضجيج الركّاب والسّيارات يصاحب قوله، موجّهاً سؤاله لفتاةٍ ترتدي عباءة عليها ورودٌ بنيّة، تحمل حقيبة وحيدة، صغيرة، وتجلس علىٰ ناصية الرصيف تعدّ أمتار الحجارة من أمامِها.)
- قدّيش بدّك؟ ( صرخَتْ متسائِلة ).
- شي 3 ساعات. ( أجاب دون تفكير ).
- قصدي .. قدّيش بدّك مصاري؟
- ألفين ليرة أختي، متلك متل هالرّكاب، وكرمال هالعباية الختايريّة، بألف وتسعمية!.
أخرجت الفتاة ما تملكه من حقيبتِها القماشيّة، وعرضت نقودها عليه وقالت:
- ما معي غير ألف وخمسميّة! .. وصلني وخود بوسة!. ( قالت وهي ترفع غِرّتها فوق أذنها ) .
- اطلعي ( قال السائق ) .. أمري لربّي، شوفتك بتكفي، والبوسة خلّيها معك، يمكن تحتاجيها بشي حارة من حارات الشام.
_____________________
صعدت الفتاة، وجلست في مكانٍ فيه ثلاث مقاعدٍ فارغة، مهيّئة بذلك، سريراً مؤقتاً، قد يكون - بالرغم من قساوتِه - أكثر لينٍ من أي سريرٍ ستبتكره في أيّامِها القادمة.
أخرجت دفترها المهترئ، مشبوكٌ في طرفِه قلماً رصاصيّاً تعلوه مِمحاه مقضومة. وبدأت بالكتابة:
أنا لستُ أميّة، وبرهاني علىٰ ذلك، هو رسالتي التي أكتبها لك الآن.
أنا مسافرة، من طرطوس إلىٰ الشّام، المدينة التي لطالما شبّهتني بها، لكنّ المسافرون إليها، قبيحون جداً، ورائحتهم كريهة! .. يبدو أنّك - اعذرني - مخدوعٌ بها، فرائحةُ البحر لم تتمكن من فصلِ رائحة النّتانة العالقة في زوايا هذا الباص، والقادمة معه من شامِكَ.
| دمشق - طرطوس | .
أنا حزينة، حزني بسيط، لكنّه مؤلمٌ جداً.
وأعلم أنّه في النّهاية، سيجد كلٌّ منّا طريقاً مختلفاً وبعيداً عن الآخر، وفي أيّ طريقٍ تختاره، سامحني قبل اجتيازي من خلالِه .
لا أعلم إن كانت رسالتي هذه ستصل إليك، ولا أعلم إن كنتَ ستقرأها لو وصلت! . لقد غيّرت اسمي، كنتُ أحبّه، لكنّني فضّلت التّخلي عن اسمٍ ناجيتَ اللّه كي ينتقم لك ممن تحمله - أنا - محاولةً خداع اللّه مرّة ثانية. باسمٍ بائسٍ يشبه ما أشعر به الآن وأنا أكتبُ لك عن خطيئتي الكبرىٰ التي ارتكبتها بحقّكَ.
ليست خيانتي لك هي ما يؤلمني، بل ان ما يؤلمني، هو رحيلك. كنتُ لأفضّل أن تبقىٰ تعذّبني بقربِك، وتشتمني، وتنسلُّ سكّين عيونك في رحمِ روحي، تعلّقني في غموضِكَ، ضائعة، كأنّ بيتي صار كوكباً لا حدّ له، ولا طرقاً صحيحة ممكنة فيه، تجعل قلبي فارغاً من كلّ بهجة، ومن كلّ حبّ.
إن أي ألم في قربي منك، كان ليكون أخفّ عليّ من أن تتركني، وحيدة، ألوم نفسي علىٰ تضييعك، أصلبها من الداخل بقسوة سفّاح، بنفسي.
- عفواً يا آنسة! .. ممكن أقعد حدّك؟ .
لم تنتبِه الفتاة، لتوقف الباص، ليستقله هذا الشّاب الشّاميّ الوسيم.
ضحكت في وجهه، وقالت
:
- إذا ما ساعك المقعد، قلبي ملياان مقاعِد.
________
مسكت قلمها من أعلاه، وحكمت بأصابعها ممحاته، وبدأت بمحي ما كتبته دون أن تُكمله. أغلقت الدفتر .. والسّائق ينظر من مرآته إليها مبتسماً بخبثِ الدراية.
قالت في نفسها: يبدو أنّك محقاً يا حبيبي بوصفك للشّام، لكنّ وصفي سيكون أكثر صدقاً من كلّ كتاباتك .
- اسمي عامر! .. وأنتِ؟ ( قال الشاب ) .
- أنا جوريّة! .. أوه! ( تذكّرت الفتاة شيئاً مهماً، فأعادت إجابتها ) .
في القرية ينادونني جوريّة، لكنّ اسمي الحقيقيّ هو سيلينا، وأحبّ أن تناديني سيلينا، فأنا مغرمةٌ به.
رحلة: | طرطوس - دمشق | 3/1/2018 .
انتهىٰ.
- علي محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق