جديدنا

مجلة فن | السينما مابين الفن والحرب


إن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة ولكن عندما شكلت خطراً يهدد العالم بأسره أصبحت موضوعاً شائكاً وشديد الحساسية ,عمدت الإدارة الأمريكية و الكيان الصهيوني إلى إنشاء الإرهاب ودعمه وحمايته لتنفيذ مخططاتها العدوانية ضامنة تحقيق أهدافها من استمرار هيمنتها على ثروات المنطقة و تثبيت الكيان الصهيوني و منع تشكيل أي قوة تهدد مصالحها في المستقبل . تشير العودة إلى استقراء التاريخ إلى أن هناك العديد من الحركات الإرهابية و لكن أبرزها و أخطرها و أحدثها هو تنظيم " القاعدة " الذي أنشأته الإدارة الأمريكية بالتعاون مع دول الخليج والسعودية تحديداً لمحاربة السوفييت في افغانستان ثم وضعت له الأسس والافكار ليصبح حالة تمددت في المنطقتين العربية والإسلامية لزرع "فكر" إرهابي تكفيري إقصائي أفرز الظواهري و الزرقاوي والبغدادي والجولاني وغيرهم لينتج هذا الفكر المزيد من الحركات التي حملت مجموعة من الأسماء كان آخرها " النصرة " و "داعش " . منذ أن بدأت هوليود صناعة الأفلام و هي تواكب كل الحروب التي يخوضها الجيش الأمريكي فمن الطبيعي بعد كل هذا التاريخ في صناعة الأفلام التي تواكب حروب الولايات المتحدة أن تدخل هوليود منطقة جديدة و هي " الحرب على الارهاب " لكن من منظورها الدعائي و المسيّس ذو الأهداف البعيدة . ففي عام 2006 خرج لنا فيلم Civic Duty أو "واجب مدني" وهو يحكي قصة محاسب أمريكي في المرحلة التالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر لا يفعل شيئا سوى متابعة شبكات الأخبار التلفزيونية الأمريكية التي تركز على أخبار الإرهاب ومحاولات الجماعات المتطرفة استهداف الولايات المتحدة من الداخل. وبعد أن يكون عقل المحاسب الأمريكي الذي يقوم بدوره" بيتر كراوز " قد هيئ تماما لكي يكون مشاركا فعالا في حرب بلاده على الإرهاب، يشك "كراوز "في جاره الجديد، الطالب المسلم الذي يقوم بدوره الممثل المصري خالد أبو النجا، في أنه يريد التخطيط لعمل إرهابي داخل الولايات المتحدة. يحاول" كراوز "إقناع زوجته وإقناع ضابط في مكتب التحقيقات الفيدرالي الـFBI لكنه يفشل، فيقرر حينئذ أن يقوم بالتحري عن أبو النجا بنفسه، ويصل إلى حد أن يختطفه ويحقق معه من أجل إثبات تورطه في الإرهاب. وبعد هذا الفيلم قرر الجناح المعارض في هوليوود لحرب الرئيس الأمريكي على الإرهاب أن يصنع فيلما آخر حول نفس الموضوع وهو فيلم Rendition الذي أنتج عام 2007 وتناول موضوع نقل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للمشتبه بعلاقتهم بالإرهاب بين سجون سرية في أماكن متفرقة من العالم. الفيلم يحكي قصة شاب مصري يدعى أنور الإبراهيمي، قام بدوره الممثل الدنماركي المصري عمر متولي، تشتبه الـCIA في علاقته بالإرهاب فتقرر خطفه ونقله إلى أحد السجون العربية حيث يعذب هناك تحت إشراف ضباط الوكالة من أجل انتزاع اعترافات منه حول علاقته المفترضة بالإرهاب , تسافر زوجته الأمريكية إيزابيلا التي تقوم بدورها الممثلة "ريز ويذرسبون " إلى واشنطن من أجل معرفة الحقيقة وراء اختفاء زوجها وهناك تكتشف أن من دبرت عملية اختطافه ونقله إلى خارج الأراضي الأمريكي هي رئيسة الـCIA "كورين وايتمان "، والتي تقوم بدورها الممثلة القديرة "ميريل ستريب".في هذه الأثناء يكون ضابط الـCIA "دوجلاس فريمان " والذي يشرف على جلسات استجواب أنور الإبراهيمي الذي قام بدوره الممثل الشاب " جاك جلينجهال " بدأ ضميره في التحرك بعد جلسات التعذيب المؤلمة التي تعرض لها أنور. وبالرغم من أن الفيلم يتعرض لعملية تم استخدامها بكثرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من قبل الإدارة الأمريكية إلا أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن هذا الإجراء تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وليس من قبل إدارة الرئيس بوش. ومن الطبيعي أيضاً أن يكون للقضية الفلسطينية و الصراع العربي (الاسرائيلي )نصيب من الطرح السينمائي الهوليودي تجاه التنظيمات الارهابية في العام 2005 قدم المخرج السينمائي الشهير"ستيفن سبيلبرغ" تجربته الأولى التي تتعامل مع الإرهاب مع فيلم “ميونيخ Munich” والذي كان خطه الرئيس حول الصراع المعقد في الشرق الأوسط على المستوى الاستخباراتي الدولي. تصف أحداث الفيلم المثير للأسئلة الطريقة التي قررتها الاستخبارات الصهيونية (الموساد) من أجل تصفية أعضاء منظمة أيلول الأسود، والتي قامت بعملية ميونيخ الشهيرة في العام ١٩٧٢، وذلك باحتجاز ومن ثم قتل عدد من اللاعبين التابعين للبعثة الرياضية (الإسرائيلية )، أثناء فترة الألعاب الأولمبية في ألمانيا. أما في هذه الأيام يجري الحديث عن الأفلام التي تنتجها داعش و عن قدراتها السينمائية الرهيبة ذات الشكل الاحترافي و الأساليب التقنية الغير متوقعة التي تختلف عما عهدناه من فيديوهات القتل وقطع الرؤوس, منذ ظهور القاعدة حتى الأن حيث كانت تستخدم الكاميرات البسيطة او الهواتف الجوالة. اليوم داعش تستخدم السينما كصناعة لجذب الجمهوروالمشاهدين والتأثير عليهم وبث روح الرعب والخوف.مستعينة بطواقم من المصورين والمنتجين الغربيين المحترفين في صناعة السينما كما استخدمت كاميرات HDعالية الجودة لتنتج فيديوهات لا تقل احترافية عن استديو هات هوليود عبر مؤسسات الإنتاج التي تقدم أفلاماً يمكن تصنيفها في خانة الأفلام الوثائقية أو التسجيلية منها مؤسسة الفرقان ومؤسسة خيبر ومؤسسة دابق ومؤسسة الحياة التي تُعنى كلها بإنتاجات بصريّة تخضع بصورة كاملة للرؤية التي تريد داعش نقلها. فمنذ فيلم إحراق الطيار الأردني "معاذ الكساسبة " بدأ الحديث عن "الاحترافية" التي جرى بموجبها إخراج هذا الفيلم الدموي حيث قدّر خبراء أمريكيون تكلفة تصوير هذا الفيديو المسمى ب " شفاء للصدور " البالغة مدته 22 دقيقة بنحو 200 الف دولار بالنظر للمعدات الاحترافية وطريقة الإخراج التي اعتمدها التنظيم و يتكرر ذلك في عملية ذبح الضحايا المصريين في ليبيا على شاطئ البحر أمام كاميرات وُزعت بحرفية بالغة و بزوايا متباعدة لالتقاط أبشع مشاهد الموت . وبعد نجاح أفلام داعش الأولى شرع التنظيم في انتاج الافلام القصيرة المتفاوتة المدة و الدقة حتى وصلت به الحال للرد على الفيلم الامريكي " American Sniper " القناص الأمريكي الذي يروي قصة " كريس كايل " المقاتل بوحدة " أسود البحر " الذي يعد أفضل قناص في تاريخ الجيش الأمريكي ليكون الرد بالفيلم القصير " قناص ولاية الخير " . أما فيلم " لهيب الحرب " نجد عبر طريقة بناء نصه وتقسيمه وترتيبه محاولة لتقديم تشويق و توريط المشاهد عاطفياً عبر استخدام مشاهد الناس البسطاء وهم يعانقوا عناصر داعش و اعتماد اللغة الانكليزية اللغة الأساسية للفيلم و اختيار مقاتل من داعش يتكلم بلهجة أمريكية صحيحة و سليمة يعطي فرصة للتنظيم بتوصيل رسالة للمشاهد بأنه تنظيم عالمي تجاوز العراق والشام . من المفترض أنه لا يمكن لمثل هذه الأفلام أن تكون قادرة على التأثير في العقل الإنساني الطبيعي ؛ لأن المشاهد هو معني بالأساس بموضوع هذه الأفلام فإن لم يتأثر هذا الجمهور ويقتنع بفكر التنظيم التكفيري الهش ذلك كفيلاً بأن يرى المشاهد نفسه ضحية مستقبلية لهذا التنظيم.

سامر موسى | مجلة فن 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 مجلة فن | Faan Magazine | تصميم : عمر شهاب

صور المظاهر بواسطة Bim. يتم التشغيل بواسطة Blogger.