ربيع القطريب :
عادةً ماتكون مرحلة ما بعد الإنتاج لصنع فيلم أو عمل تلفزيوني أو حتى إعلاناً تجارياً يأخذ وقتا أطول من التصوير الفعلي للعمل ، ويمكن أن يستغرق عدة أشهر لإكماله .. لأنه يتضمن تحرير كامل، وتصحيح الألوان، وإضافة الموسيقى والصوت ،
ويُنظر أيضاً في عملية تحرير العمل كعملية الإخراج الثانية لمرحلة ما بعد الإنتاج ، فمن الممكن أن تتغير بنية العمل ، وعلاوة على ذلك من خلال استخدام أدوات تصحيح الألوان وإضافة الموسيقى والصوت ، وبهذه العمليات يمكن أن تتأثر أجواء العمل بشدة ،
وعلى سبيل المثال يرتبط فيلم ملون أزرق مع جو بارد واختيار الموسيقى والصوت بزيادة تأثير المشاهد التي تعرض على الجمهور .
ومن أهم عمليات مابعد الإنتاج هي عملية "التلوين الفني" ، وفي هذه العملية يتم إبراز جمالية المشهد ، وتصحيح مشاكل الصورة الأساسية من خلال موازنة الألوان ، لتبدو للمُشاهد لقطات حقيقية وأقرب الى الواقع ، ويوصل المخرج الفني من خلالها إحساسه في المشهد ليكون أقرب إلى المُشاهد ، ويلعب على عواطفه من خلال اللون ليؤثر عليه عاطفياً ونفسياً وحتى جسدياً .
وعلى سبيل المثال : من منا لم يتأثر نفسياً وعاطفياً بمسلسل "الندم" للمخرج "الليث حجو" الذي كسر نمطية تصحيح الألوان فنان ومخرج التلوين المبدع "أسامة سعيد" وأظهر لنا خبرته الطويلة في هذا المجال ، والتي جمعها وأسسها من خلال عمله في مجال الإعلانات التجارية والفيديو كليب ، وإبداعه في كسر النمطية المتعارف عليها في الأعمال السورية ، فكان هذا العمل نقلة نوعية ونقطة تحول هامة في مفهوم التلوين الفني في الدراما السورية ،
ومن خلال "الندم" أوصل لنا رسالة مبطنة مهمة بأننا نعيش واقعنا في اللون الرمادي ، وماضينا هو الملون ، وجاءت هذه الرسالة من خلال تصويره لمشاهد الماضي بالألوان ، ومشاهد الحاضر بالأبيض والأسود والرمادي ، فجعلنا نعيش حالة درامية لم نشاهدها من قبل ، ونصدّق رسالته ونؤمن بها .
وشاهدنا أيضاً الرؤية البصرية المميزة لمسلسل "الواق واق" والإهتمام بالتفاصيل بكل مشهد ، والألوان الحقيقية التي أضافت للعمل قيمة فنية وحالة درامية مميزة ، وكانت أيضاً بتوقيع فنان التلوين "أسامة سعيد" ، والذي يُعتبر السبب الأساسي لزيادة جودة الأعمال الدرامية في سوريا على مستوى الصورة ، وكسر نمطية الرؤية البصرية ونجاحها ،
بالإضافة لمسلسل " شوق" ، ومسلسل "أولاد آدم " ومسلسل "مسافة أمان" و مسلسل البيئة الشامية "الكندوش" .
ولم يكتفي فنان التلوين "أسامة سعيد" في الأعمال التلفزيونية ، فوجه خبرته في هذا المجال إلى مشاركته في عدة أعمال سينمائية حصدت العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية ، وكانت بصمته واضحة في نجاح هذه الأعمال ورؤيتها البصرية والوانها اللافتة وكان أبرزها الفيلم الروائي الطويل "مريم" للمخرج السوري "باسل الخطيب" ، والذي يعتبر النقلة النوعية لتحول مفهوم الصورة في الأعمال السينمائية ، و يتحدث عن قصة ثلاثة نساء يحملن الأسم ذاته ، يعيشن في حقبات زمنية مختلفة ابتداءً من عام 1918 مروراً بنكسة حزيران في القنيطرة عام 1967 وحتى زمننا الحاضر ، والذي عالجه الفنان "أسامة سعيد" برؤية جديدة وأعطى لكل حقبة زمنية لوناً خاصاً بها ، عَكس من خلاله هوية المرحلة التي تمر بها "مريم" ، وجعل المشاهد يشعر بأنه يعيش في كل حقبة مرت .
ومن بعد "مريم" توالت الأعمال السينمائية برؤيتها الجديدة والوانها الهجينة والتي صممها فنان ومخرج التلوين "أسامة سعيد" ونذكر منها (الأم ، الأب، الحبل السري، سوريون، بن باديس، الإعتراف و دمشق حلب ) والتي حققت نجاحاً مميزاً ، وجوائز بالمهرجانات السينمائية العالمية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق