كتب علي عمار :
مع نهاية كل موسم درامي رمضاني، نترقب بشدة ما سوف تدرجه شركة الصباح للإنتاج الفني، على خارطة أعمالها من مسلسلات للموسم الرمضاني القادم. وهل ستغير من خلطتها الفنية، أم باقية على الأسماء التي حققت معها النجاح. ثنائيات نجحت وأعادت الكرة معها، ونجوم لمعوا معها، لكن كان خيارهم التغريد خارج كنف الشركة. وتجربة نكهات أخرى مختلفة. ربما البعض أيقن أنه لم يصب بخياره. فشركة الصباح تعي تماماً آلية تكريس نجومية الممثل، وكيف تصدر صورته للعالم العربي. وهذا ما لمسناه في حالة الفنانة نادين نجيم، الابنة المدللة للصباح ميديا. إلا أن الملفت للنظر هذا العام، تقديمها في عشرين عشرين، عمل مغاير عما طرحتها فيه سابقاً. مسلسلاً أقرب للواقع، وأقرب للشارع العربي واللبناني على وجه الخصوصية. بعيداً عن الأعمال الفارهة بتفاصيلها، والمترفة. وطبقات المجتمع المخملي.
قصي الخولي وشخصيات تحاكي الواقع
يبدو أن خيارات أبو عميد قصي خولي، في الفترة الأخيرة أكثر صواباً عن غيرها في السنوات الماضية. رغم نجاحه بأغلبها. لكن المشاهد العربي له كلمة الفصل، إن أحب، أم لا. قرأنا الكثير من التعليقات، تشيد باختياراته، وأنها تشبه بدايات نجاحاته، تشبه مرحلة تركت أثرها الواضح، سورياً وعربياً، على ذاكرة الجمهور. شخصيتين أكثر التصاقاً بالمجتمع، وأكثر محاكاة لهمومه وقضاياه. أتحدث هنا عن شخصية نسيم في مسلسل "لا حكم عليه"، وصافي الريس في "عشرين عشرين".
الإبداع والتميز عندما يرتبطان بالجنون، تأتي النتائج مثقلة بالنجاح. جنون قصي في الأداء والتبني لما يتقمصه، يصيبك بالاستفزاز الإيجابي، بالمتعة، لا تسأم من متابعته. بتعابير وجهه وتقاسيمه، التي تختزل كل حوار، يدعونا لملاحقته، وتأمله، أكثر فأكثر. هدوءه، ورصانته، غضبه واشتعاله، عطفه على من يحب، وعندما يعشق، حرقة دموعه على والدته، تفاصيل تجعلك بجانب صافي الديب. تبرر له أفعاله، لماذا هو خارجاً عن القانون. لماذا هو مجرم، يقتل بالسم الأبيض. فهو يقول لا أجبر أحد على الشراء والتعاطي. زجنا معه، ورطنا في حب صافي، وقعنا في منطقته الرمادية، فغدونا شركاءه، لمجرد الفرجة، والرغبة بأن يهرب من فعلته. فالعفوية والصدق والتبني، سمات أساسية للعب والخلق والابتكار. شاهدنا في بداية العام نسيم وأحببناه، واليوم صافي. يعرف كيف يخلع عباءة، ويرتدي أخرى. هذا ملعبه، مكانه، هو النسيم الصافي والصارخ في أدائه. والريس أيضاً.
نادين نجيم أنصفت نفسها كممثلة
لا شك أن نادين نجيم حصان رابح لشركة الصباح. ووجودها في أي عمل، ضمان لنجاحه. فشعبيتها بازدياد. هي في عشرين عشرين، في المكان الصحيح. ربما أدركت أنها صارت مشبعة من هالة النجومية، وبحاجة لدور يبرزها كممثلة، تعي جيداً ماهية هذه المهنة. هي في الدور الأجمل والأقوى في مسيرتها الفنية. في عشرين عشرين تتحسس أداؤها جيداً، تفصل بمهارة بين شخصيتين. الضابط سما، والفتاة الفقيرة (الجاسوسة) حياة. تطرح شخصيتين مختلفتين تماماً، لا تشابه بينهما، لا خلط لأوراق الأولى بالثانية. دراسة الشخصيات واضح للعيان، طريقة الاشتغال على تفاصيل تميز كل دور لا يمكن إغفالها. أدت في الدورين، لكن الأبرز حياة العبدالله، في مشيتها، حركاتها، رقصها أيضاً مبهر، كانت "منهنة" للعظم في الدور. منهنة هذا الإيفيه الجميل، الذي عطرت به حياة، باستخدامه المتكرر. سما، جميلة بحنان الأمومة، بقوتها، وانكسارها أمام الحب. رغم جبروتها. نحن اليوم أمام نادين جديدة، أكثر جمالاً كموهبة. ليست ملكة جمال بعد اليوم، رغم شعاع جمالها، هي ممثلة ذات حضور منهنه.
عشرين عشرين نص متماسك
ينقلنا كل من الكاتبين "بلال شحادات" و "ندين جابر"، بنصهما المتماسك، المقنع، والممتع، إلى حكاية يستسيغها المشاهد ويتفاعل مع جزيئات تفاصيلها. حياة بطلين لا يجمع بينهما شيء، إلا حب كل منهما لمحيطه ولما يفعل. فبطل عشرين عشرين الريس صافي الديب (قصي خولي)، ينحدر من بيئة محافظة ملتزمة، من مناطق لبنان المنسية، إلا أن رجلها خارج عن القانون، كونه أحد زعماء عصابات المخدرات في المنطقة. متستراً وراء محل لبيع الخضراوات. تم التركيز على إنسانيته في كثير من المواقف، وصفاته الرجولية. دون تجاهل مهنته في تجارة المخدرات، واستغلاله فتيات محتجزات بإرادتهن بعض الشيء، هرباً من ماضيهن الأسود. كابائعات هوى، وعاملات في النوادي الليلية. لتنصهر معه، وتتجاوز كل تلك الأفعال. وتتعامل معها وكأن تقول (الشغل مو عيب).
أما البطلة فهي النقيب سما، من بيئة مغايرة بتفاصيلها عن بيئة الريس صافي. من حي مترف، مترفع عن ذلك الحي الشعبي المليء بالعشوائيات. لها شغفها تجاه مهنتها، هي مخلصة لما تفعل. تضطر أن تدخل متنكرة بشخصية ثانية، للإيقاع بمروجي المخدرات، وانتقاماً لمقتل أخيها جبران. نادراً ما نشاهد في الأعمال المشتركة، مسلسلاً يطرح قضايا مجتمعية مختلفة، بالإضافة لحياة سكان المناطق العشوائية، وعملهم الغير أخلاقي، ومصائر كل من أهاليها. يطرح العمل قضية المرأة العاملة الأرملة، وأحقيتها بممارسة أمومتها، دون وصي شرعي يشاركها ذلك. كما كان لرؤية المخرج "فيليب أسمر" الفنية، دوراً بارزاً في ترجمة النص بلغة بصرية صادقة، تحاكي سينوغرافيا المكان. نقلتنا لعوالم تلك الأحياء، وسكانها اللاهثين وراء النجاة من عبثية الحياة وأن يكون لهم وجودهم فيها. مع كل حلقة كانت وتيرة الأحداث بتصاعد، ما رفع منسوب التشويق، فجعلنا مشدوهين ومتعطشين للوصول إلى نهاية العمل. ومعرفة مصير الحب بين البطلين. ومن سيغلب الحب أم الواجب المهني؟
ثنائية نادين وقصي تستحق كل هذا النجاح، والتوقف عندها. من الثنائيات التي سيتكلم عنها الجمهور العربي لسنواتٍ قادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق