لِكُل بداية قِصَّة والقصَّة كانت عندما تغيَّر مسار الطائرة من موسكو
إلى القاهرة، وفق قرار لحظي منبعه الشغف والحلم، "هذا القرار حمَل جُرأة لم
أعتَد على وجودها في حنايا صدري، لَم أتوقَّع لقرار كهذا أن يقلِب الأمور رأساً
على عقب.."
مِن المطار كانت الخطوة الأولى التي رسمَت مجرى أحداث لَم يكُن حتى
بطلها يتصوَّرها..مِن هندسة الدبَّابات..إلى هندسة مواقع التصوير وصناعة
مُمَثِّلين ومُمَثِّلات بعضهُم نجوم شاشاتنا اليوم..
المُخضرَم مظهر الحكيم يروي لمجلَّة فَن في جلسة "فضفضة" ما لَم يُروى مِن قَبل،
اقتَحمنا صفحات ماضٍ سحيق مُستَرجعين ذكريات فنان بقامة مظهَر الحكيم الذي لَم
تَكُن مسيرة حياته بتلك البساطة أو الرفاهية التي يراها النَّاظِر إليها من
الخارِج، مسيرة بدأت بغُربة عن الوَطَن..حيث: "كامل عبد السَّلام..نَعم أقول
بالفَم الملآن صاحِب الفَضل بما وصلت إلَيه هو أبي الرُّوحي السيناريست (محمد كامل
عبد السلام) حيث تبنَّاني بصورة لا أُريد توصيفها لكَي لا يقول قائل بأنِّي
أُبالِغ في الوصف، لكنِّي تعلَّمت ما تعلَّمت من كتابة السيناريو على يديه..حيثُ
دخلت إلى المعهد المسرحي، تعلَّمت التصوير والإضاءة فَعمِلتُ مع مسرح (نجيب
الريحاني) وعمِلت مع مسرح (اسماعيل يَس) و (حسام الدين مصطفى) وغيرهُم كُثر لَم
أرِد أن أكون ضعيف في خفايا المسرَح وتفاصيله حتَّى تحوَّلت إلى ماهر في سرِقة
التفاصيل إضافة لما كُنت أتعلَّمه في دراستي الأكاديمية..."
ولأن الحياة لا تُعطيك القِمَّة بالمَجَّان..عليك ترك دمائك على
الصخور وأنت تتسلَّق طامِعاً بالوصول إلى تِلك القِمَّة..ليس لأنَّ الحياة أنثى
نرجسيَّة تعشق ذاتها فحسب...بَل لأنَّها رُغم نرجسيَّتها ستُصبِح "أمَّاً"
يوماً ما.. وتُريد لبقيَّة أبنائها أن تستَدِل بدماء ذلك الأرعَن المُضحِّي إلى
الطَّريق الصائب نحو القِمَّة المنشودة...فترَك الحكيم آثار الدماء في السبيل الذي
قاده إلى القِمَّة..."مع جريمة الإنفصال عُدتُ أدراجي نحو سوريا..وعمِلت في
المسرح العسكري مع محمد شاهين، حيث طلبني إلى مسرحه عند عودتي مباشرة، فخضتُ تجربة
بسيطة معهم، ولَم أتمكَّن من الاستمرار بسبب صرامة القوانين حيث لا يُمكِن للفَن
أن يجتَمِع تحت سقف واحد مع الصرامة والحِدَّة، فروح الإبداع لا تُقيَّد ولا
تُضبَط لئَلَّا تُحبَط...عُدتُ أبحَثُ عن العَمَل الفنِّي الخالِص فَعَمِلت مع
فيليب عقيقي، في تِلك الفترة الدسمة التي ولَّدَت (رفيق سبيعي) الذي اجتمَعت معه
في لبنان وسجَّلنا برامج إذاعيَّة عديدة معَاً، إضافة لمشاركات عديدة في أفلام
مصرية ولبنانية وأمريكية مُكتَسِباً خبرات كبيرة استفَدتُ منها كثيراً..."
"في مسيرة الصعود إلى القِمَم لن يتوقَّف الصرَاع على معركتك مع
قساوة الصخور، بَل قد تخونك عضلاتك أو عزيمتك وتوشك على التهاوي والسقوط إلَّا
أنَّ رغبة الاستمرار ستدفعك للبقاء والمواجهة حتى في أتعس الظروف، بقاءك على قيد
الأمل مرتبط بشغف الوصول، ومهما عَلَت أصوات الحاقِدين في الأسف مِمَّن لم يتحلّوا
بالشجاعة اللازمة للانطلاق، لن تكتَرِث فكُلُّ حواسك مرتبطة بالوصول إلى القمة...
"عَمِلت مع (محمَّد جمال) كَمُعِد في قناة (سبعة) اللُّبنانيَّة
عندما حَضَر إلي مع أحد الزملاء إلى المَنزِل وطَلَب مِني فكرة برنامج غِنائي
أسميته (ضحك ولعب وجد وحُب) حيث تَتمَثَّل
كُل كَلِمة من الكلمات بالحالة الشعورية لكل فقرة ومثَّلت في الحلقة الأولى من
البرنامج، لكِن لأنِّي سوري تَم رفض استمراري في حلقات البرنامج مع القناة، إلا أن
الأستاذ محمَّد وَجَد حل وسط بيني وبين إدارة المحطَّة حيث استمرَّ إعدادي للحلقات
تحت اسم شخص آخر وذلك لئلَّا ينقطع
الوارِد المادِّي عنِّي.."
الجَرح الأوَّل هو الأكثَر ألَماً، فحقنة التخدير عليها أن تَختَرِق
جَسَدك كي تجعَلَ منك شخص غير قابل للألَم، وهُنا يتوقَّف النَّجاح عند حدود
جُرأتك كي تخطو الخطوة الأولى، لكن تختَلِف مواصفات هذه الخطوة من مكان إلى مكان،
ومِن تَجربة لى تجربة فليسَت كُل الغنائم متساوية وليست كُل الهزائم عادِلة، فبعد
تِلك الهزيمة الظالِمة عَلَيك البدء مِن الصفر والنَّظر إلى قِمَّة جديدة ولكِن
الشِّبل الجَّريح يحتاج هذه المرة إلى دفعة من الأسد الأب وهذا ما حصَل تماماً..
" عُدت إلى سوريا، وتعرَّضت لِعدَّة انتكاسات مادِّيَّة ونفسيَّة،
ووصَلت إلى مرحلة من البؤس والفاقة لا يُمكِن أن يتخيَّلها عَقل، إضافَة إلى مرَض
زوجتي إنعام صالح وتعَبها الشَّديد فما كان مِنِّي إلا أن اتصَلت بمكتب القصر
الرئاسي طالباً مقابلة القائد الخالد حافظ الأسد رحِمَه الله، وبالفعل تَم
اللِّقاء كانت زوجتي إنعام بحالة يرثى لها حَرفيَّاً، ولا يُمكنني تركها في المنزل
وحدها، فاضطررت لأخذها معي، وكل ماكنت أملكه هو (خمس ليرات سورية فقط لا غَير) دفعتها
لسائق سيارة الأجرة الذي أوصلنا إلى القصر الرئاسي، دخلنا إلى القصر وجدنا في بهو
الاستقبال عدد كبير من المُنتَظرين دَورهم للمقابلة، طبعاً أخذنا تعليمات بألَّا
نتأخر أكثر من عشر دقائق مع سيادة الرئيس، انتظرنا دورنا بعد استقبال يليق بنا دون
أي إساءة أو قلَّة احترام، وعندما حان موعد دخولنا دخلنا جلسنا مع القائد الخالد،
وبدأ الحوار السَّلِس بيني وبينه وقد كان على اطلاع بأدق التفاصيل حَول ما يجري في
الوسط الفنِّي، إضافة لكَونه سألني عمَّا أريد وكان طَلَبي، عَمَل أقتات مِنه
وأستُر أُسرَتي..وبالفعل هذا ما جَرى فقد بدأت بالعَمَل الإذاعي، عِلماً أنِّي
خرَجت من المكتب وليس لدي أي علم عمَّا ينتظرني..."
الخطوة الأولى لذلك الشِّبل الجَّريح..بدعم من الأسد الأب، تحوَّلت
إلى مسيرة طويلة عريقة من الإنجازات التي يُحسَد عَليها، مع مرور الزَّمن تحوَّل
الشبل الجريح إلى أسد مقاتل..مُعين لِمَن حَوله..
"عَمِلت في إذاعة دمشق لفترة طويلة، وبدأت بتطوير نفسي، وأنشأت
شرِكة الحكيم للإنتاج التلفزيوني التي عَمِل في ظِلِّها كُل نجوم الدراما
السوريَّة، وكان مجموع ساعات إنتاج المؤسسة (330) ساعة تلفزيونية أي ما يعادل (11)
مسلسل رمضاني، وكما هُو مُتوقَّع من أفراد الوسط الفنِّي عِندما كانت المؤسسة
تعمَل وتُنتِج كان الفنَّانين والفنِّيين يرتادون المكتَب بسبب ومِن دون سبب،
اليوم مكتب الشَّركة قُمت بتأجيره كي أجِد مِنه دَخل يساعِد في مصاريفي الحياتية
على الرغم مِن أنَّ مؤسسة الحكيم للإنتاج
الفنّي أظهرت "نضال سيجري" للعَلن وصنعت جزء كبير من نجوميَّته كما
أظهرت أوَّل مديرة إنتاج (نسرين الحكيم) ولكن شعرت بالندم الشديد ووجهت اعتذار لأماني
ونسرين مراراً لأني علَّمت كل منهما احترام العمل الذي تعمل به، واحترام كل شخص
يعمل في مجال عملهما وهُنا كان الخطأ، هذا لا يناسِب الوسط الذي نعمَل به جميعاً،
أنا خَسِرت كل شيء في الحرب مِن مُعِدَّات وتجهيزات وأعمال كان مع الموزِّعين أو
على القنوات الفضائية لم أتقاضى ثَمَنها الكامِل، ولم أجِد كلمة عزاء أو دعم من
أحَد.."
يوم لا يأخذ كل ذي حق حقَّه..انتَظر وراقِب مِن بعيد ذرف الدماء،
وتحسَّر على نتائج التوزيع غير المُنصِف للكعكَة المُقتسَمة، وإن كانت تِلك الكعكة
أكبر مِمَن يوزِّعها فلا تَعجَبنَّ إن أخَذ أكبر بكثير مِن حقّه وترَك الفُتات
للبقيَّة فقد قتَل البَطَر قلبه وعَميَت عيونه عن الحقيقة... مظهر الحكيم، ذياب
مشهور، تحسين قوادري، خلدون المالح... وغيرهم ظلمهم الإعلام وظلمهم الوسط وما زِلنا
نظلمهم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق