مجلة فن - مرح رافع
ما
فائدة دراسة التاريخ ؟؟؟
من
رحمة الله بخلقه أن ثَبَّت لهم في الأرض سننًا لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؛ بهذه السنن
تستقيم حياة الناس، وعليها يعتمد الخلق في حركاتهم وسكناتهم، ولو كان لكل زمان
سُنَّة، أو لكل مكان سُنَّة تختلف عن غيرها لاضطربت حياة الناس، و لضاعت كل
الخبرات السابقة. لكن -بفضل الله- الخبرات
السابقة لا تضيع؛ ما حدث معك بالأمس يتكرَّر اليوم، وما يحدث معك اليوم سيتكرَّر
غدًا، وهكذا إلى يوم القيامة.
ومن
هنا جاءت أهمية دراسة التاريخ..
فالأحداث السابقة تتكرَّر دائمًا، وبصورة تكاد تكون متطابقة، فليس هناك جديد على الأرض؛ فإذا درسنا التاريخ وعرفنا أن حدثًا ما قد مرَّ قبل ذلك، وكانت فيه الظروف والملابسات نفسها التي تُواكب حدثًا نعيشه الآن؛ فإننا نستطيع أن نستنتج النتائج، فإن كان الحدث نصرًا مجيدًا سرنا على الطريق نفسه الذي سار فيه المنتصرون لنَصل إلى النتيجة نفسها، وإن كان الحدث هزيمة مخزية تجنَّبْنَا أخطاء السابقين فلا نصل إلى هزيمة كهزيمتهم.
دراسة
التاريخ بهذه الطريقة تجعل التاريخ حيًّا ينبض.. أنت تقرأ لتتفاعل، لا لمجرَّد
التسلية أو الدراسة الأكاديمية البحتة؛ دراسة التاريخ بهذه الصورة لها هدف واضح هو
البحث عن «العِبرة».. وهو ما ذكره الله عزَّ وجل في كتابه عندما قال: {لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ}[يوسف: 111].
ولهذا
السبب جعل الله عزَّ وجل ثلث القرآن قصصًا؛ حتى يستقرئ المسلمون سنن الله عزَّ وجل
في الأقوام السابقين، وليعلموا حتمًا أن هذه السنن ثابتة؛ فيستطيعوا توقُّع الشيء
قبل حدوثه؛ ومن ثَمَّ الاستفادة منه، ولا يأتي هذا إلا بتفكُّر عميق في كل قصة،
ودراستها من كل زاوية؛ ولهذا يقول الله عزَّ وجل: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف: 176].
فقصُّ
القصة، أو رواية الرواية، لا يغني شيئًا إن لم يُتبَع بتفكر.. ودراسة التاريخ ليست
دراسة تكميلية أو جانبية أو تطوعية، إنما هي ركن أساسي من أركان بناء الأمة
القوية.
هكذا
علمنا الله عزَّ وجل في كتابه الحكيم، فهو يقص القصة، ويعرض فيها الحُجَّة التي
تقنع العقل، ثم يعرض فيها الرقيقة التي تلمس القلب، وقد يعرض فيها أمرًا
عقائديًّا، وقد يعرض فيها حكمـًا فقهيًّا، ثم هو يربط القديم بالحديث، والتاريخ
بالواقع، والماضي بالحاضر.. فتشعر أن التاريخ حيٌّ ينبض، ولسانٌ ينطق.. وتكاد تجزم
أنه لا يحدثنا عن رجال ماتوا، ولا عن بلاد طواها الزمان، إنما هو يحدثنا عن
أحداثنا، وينبئنا بأنبائنا، ويخبرنا بأخبارنا.
وختاماً نذكر .. من ورخ مؤمناً فكأنما أحياه ، ومن أحيا مؤمناً فكأنما أحيا الناس جميعاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق