مجلة فن - مرح رافع
من المعروف عند العرب والمسلمين أن أهل المدينة المنورة قد استقبلوا الرسول عليه الصلاة السلام بهذه
الأنشودة عندما وصلهم مهاجراً من مكة:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
والحقيقة أن هذه الأنشودة لم ترد عند مهاجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وإنما قد قيلت عقب عودة الرسول عليه السلام من غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة ,وليس كما هو شائع .ويدل على صحة ذلك بأن ثنية الوداع ليست من طريق القادم من مكة جنوباً، بل من طريق القادم من الشام وتبوك شمالاً.
الغريب بعد كل الذي قرره العلماء بخصوص الرواية، أن فريقاً من العلماء الأجلاء والمحققين المعتبرين، لا يرغبون في اطّراح هذه القصة .
ويمكن أن تمسكهم بهذه القصة يعود إلى أن هذه الأنشودة ترسخت في أذهاننا من الطفولة ، ومن الصعب أن نغيرها بسهولة .
أما ما يتعلق بالحمامة والعنكبوت عند الغار ..
فقد اعتدنا أيضاً على هذا المشهد وصوروه لنا في كل أفلام السيرة ، وهو حينما وصل المشركين إلى الغار وهم يقتفون آثار الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه رضي الله عنه ,إذا بالعنكبوت قد نسج على باب الغار , وإذا بحمامتان قد باضتا ورقدتا على البيض ,مما أقنع قريشاً بأنه لا أحد في الغار .
ولعل من نافلة القول أن نكرر ما يذكره أهل الحديث ,من أن رواية الحمامتين لا تصح . ولكن اللافت أننا لا نتخيل الغار إلا والحمامتان على بابه ولا يكاد فنان يخط بريشته رسما للهجرة إلا وتكون الحمامتان والعنكبوت العنصر الأساسي في لوحته .. والأعجب من ذلك أن بعض العلماء حين يُِسألون عن صحة رواية الحمامتين، لا يرون بأساً في إثباتها على الرغم مما أسلفنا من حالها .
والذي أراه أن الأمر بالنسبة للكثيرين أكبر من مجرد المحاكمة العقلية للنصوص .. ذلك أن الموضوع يتعلق برموز عميقة في النفس الإنسانية .. إذ الحمامة رمز للسلام ,وكثيراً ما نسمع تعبير"حمامة السلام".
وبالتالي فلعل منشأ الرواية أن أحد القصاص وهو يروي قصة الهجرة ومحاصرة المشركين للغار ثم عودتهم خائبين، وبالتالي نجاة الرسول الكريم وصاحبه ، يعلق بالقول:" وحطت حمامة السلام على الغار". في صياغة مجازية تؤكد ختام تلك الأحداث المقلقة . ولا يلبث الخيال المجازي والتعبير البلاغي أن يتحولا في أذهان الكثيرين، وعلى رأسهم القصاص، الى أحداث وحقائق.ولا ننسى أن هؤلاء قد أكثروا من الوضع في الحديث والسير وقصص الأنبياء،بحسن نية أو بسوئها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق